تجربة الأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين في إطار اللامركزية واللاتمركز
ب – ما بعد اعتماد الميثاق الوطني للتربية والتكوين
× التوجهات الكبرى:
لقد كان اعتماد الميثاق الوطني للتربية والتكوين بمثابة قناعة مشتركة بين كافة مكونات الحقل التربوي والثقافي والسياسي والاجتماعي ، حظي بتزكية ملكية سامية واحتل مكانة متميزة في التصريح الحكومي الأول لحكومة التناوب والحكومات المتعاقبة .
وتعتبر اللامركزية إحدى التوصيات الأساسية للميثاق الوطني للتربية والتكوين والتي دعت إلى إحداث وحدات جهوية للتربية والتكوين تتمتع بالشخصية المعنوية والاستقلال الإداري والمالي تسمى: الأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين، وهو ما يشكل خطوة هامة في مجال تدبير النظام التربوي.
وفي هذا الإطار، نص الميثاق الوطني للتربية والتكوين في دعامته الخامسة عشرة، المتعلقة بإقرار اللامركزية واللاتمركز في قطاع التربية والتكوين، على ما يلي:
التقليص من الاختصاصات التسييرية والتدبيرية للإدارة المركزية داخل المنظومة التربوية ؛
إعادة هيكلة نظام الأكاديميات وتوسيع صلاحياتها، لتصبح سلطة جهوية للتربية والتكوين لاممركزة تتمتع بالشخصية المعنوية والاستقلال الإداري والمالي ؛
تعزيز المصالح الإقليمية المكلفة بالتربية والتكوين من حيث ضبط الاختصاصات وجعلها تندرج في إطار الهيكلة الجهوية ؛
إحداث مجالس التدبير على مستوى المؤسسات التعليمية، لمؤازرة هيئة الإدارة التربوية، باعتبارها الأداة المجسدة للامركزية واللاتمركز ؛
تحسين التدبير العام لنظام التربية والتكوين، قصد ترشيد وتوحيد المبادرات والمخططات وتحقيق شفافية الميزانية المرصودة، وكذا تقليص تكاليف التسيير الإداري، فضلا عن عقلنة تدبير الموارد البشرية ؛
إحداث هيئات متخصصة في التخطيط والتدبير والمراقبة في مجال التربية والتكوين على المستوى الجهوي والإقليمي والمحلي.
× تفعيل مضامين الميثاق الوطني للتربية والتكوين:
لقد تطلب تفعيل مضامين الميثاق الوطني للتربية والتكوين إصدار مجموعة هامة من النصوص التشريعية والتنظيمية وفقا للتوجهات المحددة في هذه الوثيقة المرجعية، وقد واكب هذا المجهود التشريعي اتخاذ مجموعة من التدابير والإجراءات لمصاحبة تجربة الأكاديميات الجهوية وإرساء هياكلها.
وقد أفرز تفعيل هذه المقتضيات هندسة جديدة تتسم بتموقع الجهة كبنية بارزة في الهيكلة الحالية، مع مراجعة هيكلة واختصاصات البنيات المركزية والاحتفاظ بالمصالح الإقليمية كوحدات لاممركزة، وكذا إحداث آليات جديدة للتأطير والتدبير الإداري والتربوي على المستوى المحلي.
III.الهندسة المعتمدة لهيكلة قطاع التربية الوطنية:
أ) على المستوى المركزي: تكييف دور الإدارة المركزية وإعادة هيكلتها:
إن الاختيار الاستراتيجي الذي تم اعتماده في مجال التربية والتكوين من خلال اللامركزية واللاتمركز في اتجاه الأكاديميات والنيابات والمؤسسات التعليمية، استدعى مراجعة مهام واختصاصات الإدارة المركزية للوزارة، لتضطلع بالدور القيادي في رسم المخططات الاستراتيجية وتحديد الاختيارات والتوجهات العامة، واتخاذ التدابير اللازمة لتحقيق التوازن وتكافئ الفرص بين الجهات وتتبع ومراقبة تدبير الشأن العام التربوي.
وهكذا صدر المرسوم رقم 382-02-2 بتاريخ 17 يوليو 2002 بشأن اختصاصات وتنظيم وزارة التربية الوطنية.
وبموجب هذا المرسوم تم تقليص البنيات المركزية بشكل كبير، حيث انخفض عدد المديريات المركزية من 18 إلى 10 مديريات، وعدد الأقسام من 72 إلى 33 قسما وعدد المصالح من 238 إلى 71 مصلحة.
كما تم تعزيز المفتشية العامة للوزارة بإحداث المفتشية العامة للتربية والتكوين يشرف عليها مفتشان عامان، أحدهما مكلف بالشؤون التربوية والآخر مكلف بالشؤون الإدارية.
وتتكون الهيكلة الحالية للوزارة، بالإضافة إلى المفتشية العامة للتربية والتكوين، من ثلاث مجموعات رئيسية:
1) مجموعة الشؤون التربوية والتجديد التربوي، وتشمل :
مديرية التقويم وتنظيم الحياة المدرسية والتكوينات المشتركة بين الأكاديميات؛
مديرية المناهج؛
المركز الوطني للتجديد التربوي والتجريب؛
مديرية الارتقاء بالرياضة المدرسية.
2) مجموعة التخطيط التربوي والتنميط، وتشمل:
مديرية الشؤون القانونية والمنازعات؛
مديرية الاستراتيجية والإحصاء والتخطيط؛
مديرية إدارة منظومة الإعلام.
3) مجموعة الموارد والمعدات ، وتضم :
مديرية الشؤون العامة والميزانية والممتلكات؛
مديرية الموارد البشرية وتكوين الأطر؛
مديرية التعاون والارتقاء بالتعليم المدرسي الخصوصي.
ب) على المستوى الجهوي: إحداث الأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين كمؤسسات عمومية.
وفقا لتوجهات الميثاق الوطني للتربية والتكوين الداعية إلى ملائمة التربية والتكوين للحاجات والظروف الجهوية والمحلية، ومن أجل تدبير أمثل للإمكانات البشرية والمادية، تم إحداث الأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين بمقتضى القانون رقم 07.00 في شكل مؤسسات عمومية تتمتع بالشخصية المعنوية والاستقلال المالي خاضعة لوصاية الدولة.
وقد أوكل المشرع لهذه الهيئات مهمة تطبيق السياسة التعليمية والتكوينية في مجموعة من المجالات التربوية والتدبيرية والمالية والمادية كإعداد المخططات التنموية للأكاديمية، والخرائط المدرسية الجهوية وتحديد العمليات السنوية للبناء والتوسيع والإصلاحات الكبرى، وإعداد سياسة للتكوين المستمر لفائدة الموظفين الإداريين والتربويين والقيام بمبادرات للشراكة وغيرها من الاختصاصات الأخرى.
وإن هذا الحدث القاضي بإحداث سلطات جهوية للتربية والتكوين في شكل مؤسسات عمومية، يكرس بعدا محليا للإصلاح، ويجسد بالتالي بشكل دقيق وعملي نهج اللامركزية في تدبير المرفق العمومي المتعلق بالشأن التعليمي.
وسعيا إلى تقوية القدرات المؤسساتية لهذه الهيئات، وحرصا على إشراك أكبر عدد ممكن من فعاليات المجتمع، تم إرساء المجالس الإدارية للأكاديميات ذات تركيبة متنوعة، كإحدى الآليات الجديدة لتدبير الشأن التربوي على المستوى الجهوي، متمتعة بجميع السلط والصلاحيات اللازمة لإدارة الأكاديمية.
وقد أناط المشرع بهذه المجالس إحداث لجان تقنية دائمة تسهر على تحضير أعمال المجلس وإعداد التقارير التركيبية وتتبع تنفيذ قرارات المجلس بالتنسيق مع الهيئات المركزية والأطراف المعنية.
وقد تم تعيين مدراء للأكاديميات يتمتعون بجميع السلط والصلاحيات اللازمة لتسيير شؤون الأكاديمية وتنفيذ قرارات (المجلس الإداري ).
كما تمت إعادة هيكلة الأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين، لتمكينها من مباشرة الاختصاصات الجديدة الموكولة إليها بمقتضى المادة 162 من الميثاق الوطني للتربية والتكوين.
وتتفاوت هذه الهيكلة من أكاديمية إلى أخرى، حسب عدد النيابات، وعدد المؤسسات التعليمية التابعة لها،
ت) على المستوى الإقليمي: الاحتفاظ بالهياكل اللاممركزة كمكونات أساسية للهندسة الجديدة.
في هذا الصدد، تم التأكيد على أهمية ودور النيابات باعتبارها مصالح إقليمية للأكاديميات، راكمت تجربة غنية في تدبير الشأن التعليمي، كوحدات لاممركزة سابقا، حيث تم العمل على الاحتفاظ بها مع إدماجها كمصالح خارجية ضمن الهيكلة الخاصة بالأكاديميات.
و يتجسد اللاتركيز الفعلي للنيابات، من خلال تفويض النواب الإقليميين مجموعة من الاختصاصات سواء من طرف مدير الأكاديمية الجهوية للتربية والتكوين أو من طرف الوزارة، لاسيما في مجال تدبيرالموارد البشرية وإعداد مشروع الميزانية وتدبير بعض القضايا الإدارية ذات الطابع المحلي.
هكذا، يتضح أن النيابات الإقليمية تعتبر مصالح لاممركزة بامتياز وذات طابع خاص، ذلك أن التعامل العملي مع هذه الوحدات يتم على مستوى الأكاديمية الجهوية للتربية والتكوين من جهة، والوزارة من جهة أخرى.
من خلال هذا الوضع، تبدو النيابات كوحدات إدارية تمزج بامتياز بين نهج اللامركزية واللاتمركز، وهو نموذج للتدبير الإداري يفرضه بالأساس قرب النيابات من المؤسسات التعليمية.
وعلى المستوى الهيكلي، يتراوح عدد المصالح المحدثة على مستوى كل نيابة ، مابين خمس مصالح ومصلحة واحدة ، أخذا بعين الاعتبار عدد المؤسسات التعليمية والأطر التربوية والإدارية والتقنية ، وكذا أعداد التلاميذ.
د) على الصعيد المحلي: إحداث آليات جديدة للتأطير والتدبير الإداري والتربوي
إن نهج اللامركزية الذي تم إقراره في تدبير الشأن التعليمي، لم يقتصر فقط على البنيات الإدارية الجهوية، بل امتد كذلك إلى المؤسسة التعليمية، حيث تم إحداث آليات جديدة للتدبير تعتمد مبادئ التمثيلية والتعددية والديموقراطية.
ويعتبر هذا الاتجاه في حد ذاته، قطيعة مع الطرق التقليدية التي كانت سائدة من قبل في تدبير الجوانب التربوية والإدارية للمؤسسة التعليمية، حيث أضحت الإدارة التربوية تتقاسم المسؤوليات والأدوار مع آليات التدبير التي تتكون من المجلس التربوي ومجالس الأقسام والمجالس التعليمية ومجلس التدبير.
وهكذا، أصبح بإمكان المجالس المحدثة داخل المؤسسات التعليمية المساهمة المباشرة في تسيير وتدبير شؤون هذه المؤسسات.
ويعتبر مجلس التدبير أحد أهم الآليات، بحكم الاختصاصات المنوطة به بالإضافة إلى تركيبته التي تضم بالإضافة إلى أطر هيئة الإدارة التربوية ممثلين عن أطر هيئة التدريس وعن الأطر الإدارية والتقنية العاملة بالمؤسسة، ورئيس جمعية آباء وأولياء التلاميذ وكذا ممثلي المجالس الجماعية.
ومن بين أهم الاختصاصات التي أسندت إلى هذا المجلس، دراسة برنامج العمل السنوي وتتبع إنجازه، والمصادقة على التقرير السنوي العام المتعلق بنشاط وسير المؤسسة المتضمن للمعطيات المتعلقة بالتدبير المالي والإداري والمحاسباتي للمؤسسة.
وهكذا يتضح، أن المشرع عندما اعتمد نهج التشارك والإشراك والديموقراطية في تدبير الشأن التعليمي، سواء على مستوى البنيات الإدارية الجهوية أو على مستوى المؤسسة التعليمية، لم يهدف فقط إلى إحداث آليات للتدبير عن قرب، وإنما إلى ترسيخ ثقافة جديدة في تدبير الشأن التربوي والتعليمي.
وعليه، يتبين من خلال هذه القراءة المستعجلة أن الهيكلة التي تم تبنيها، تمزج بين عدة أساليب للتدبير، قلما نجدها في القطاعات الأخرى، تتسم بتجانس وتعايش أساليب المركزية واللامركزية واللاتركيز.
وإذا كان الهدف من وضع هذه الهندسة يبدو جليا من خلال المرجعيات والمرتكزات الأساسية، فإن تحقيقها قد يستدعي الوقوف على المكتسبات التي تم تحقيقها والصعوبات التي تعترض استكمال مسلسل اللامركزية واللاتمركز بقطاع التربية والتكوين.
IV- الإمكانات البشرية والمادية المواكبة لمسلسل اللامركزية واللاتمركز:
أ- توجهات الميثاق الوطني للتربية والتكوين:
على مستوى الموارد البشرية:
· تحفيز الموارد البشرية وتحسين ظروف عملها؛
· مراجعة مقاييس التوظيف والتقويم والترقية؛
· اعتماد سياسة هادفة للتكوين الأساسي والمستمر.
على المستوى المادي والمالي:
· إحداث هيئات متخصصة في التخطيط والتدبير والمراقبة؛
· تنويع انماط البنيات والتجهيزات؛
· تعبئة موارد التمويل وترشيد اعتمادها؛
· تحقيق شفافية الميزانيات المرصودة، وملاءمتها مع أولويات القطاع.
ب- التدابير المصاحبة لمسلسل اللامركزية واللاتمكز:
- على مستوى الموارد البشرية:
يمكن إجمال أهم التدابير المتخذة في هذا المجال في:
· إحداث آليات على المستوى الجهوي والإقليمي لضمان تتبع شؤون الموارد البشرية؛
· تفويض تدريجي لبعض الاختصاصات في مجال تدبير الموارد البشرية؛
· توفير الدعم اللازم لهذه العملية، خاصة بما يتعلق بالتكوين وترشيد التدبير.
- على المستوى المالي والمادي:
· إعداد الميزانية بناء على مقاربة جديدة تأخذ بعين الاعتبار تعدد وتنوع المكونات؛
· التأطير المركزي لعمليات إعداد وتحضير الميزانيات الجهوية ؛
· تفويض الاعتمادات اللازمة لمديري الأكاديميات لإنجاز مختلف العمليات المندمجة ضمن مخططات العمل السنوية، مع تعيينهم كآمرين مساعدين بالصرف؛
· تكليف الأكاديميات بالإشراف المباشر على إنجاز بعض العمليات كالبناءات والتجهيزات الكبرى.
- V مقاربة تشخيصية لتجربة نظام الأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين:
في غياب دراسة علمية تقييمية للتجربة الحالية، سنكتفي بمحاولة تشخيصية تستمد عناصرها من الملاحظة الميدانية والواقع المعاش للبنيات المؤسساتية للمنظومة التربوية.
والواقع، أن معاينة التجربة الحالية تقودنا إلى استخلاص مجموعة من الاستنتاجات التي تؤكد إنجاز عدة مكتسبات، كما أنها تبين أن هذه المسيرة الإصلاحية اعترتها بعض الصعوبات والإكراهات التي تؤثر على استكمال مسلسل اللامركزية واللاتمركز.
1) المكتسبات الكبرى:
إن ما تحقق من منجزات على مستوى أوراش الإصلاح التي باشرها قطاع التربية الوطنية لحد الآن، يوضح بالملموس الالتزام بالمقتضيات والتوجهات التي نص عليها الميثاق الوطني للتربية و التكوين في مجال إقرار اللامركزية واللاتمركز، التي يتعين نهجها لضمان نجاعة الإصلاح التربوي و إسهامه في إنجاح مختلف الأوراش الإصلاحية الكبرى التي باشرتها الدولة على الصعيدين الجهوي والمحلي، و يتجلى ذلك على المستويين، المؤسساتي والتدبيري.
أ- على المستوى المؤسساتي :
إن أهم مكسب يمكن إبرازه، في هذا المجال ، يكمن أساسا في كون قطاع التربية والتكوين، أصبح يتوفر على مرجعيات أساسية تحدد مرتكزات وأسس المنظومة التربوية، خاصة على مستوى التوجهات والاختيارات المؤسساتية.
ويتعلق الأمر هنا، بالميثاق الوطني للتربية والتكوين، وكذا الإطار الاستراتيجي لتنمية النظام التربوي اللذان يعتبران أهم مرجعية في هذا المجال.
وفي هذا الإطار، لابد من التذكير أن الميثاق الوطني للتربية والتكوين وضع الثوابت التي تحدد توجهات وعمل قطاع التربية الوطنية على المدى المتوسط والبعيد ، وهذا من شأنه أن ينعكس بصفة مباشرة على هياكل هذا القطاع والمؤسسات العمومية الموضوعة تحت وصايته.
ويمكن إيجاز أهم المكاسب التي تم تحقيقها على هذا المستوى في بناء صرح مؤسساتي يشمل جميع المستويات، انطلاقا من البنيات المركزية مرورا بالأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين وانتهاءا بالمؤسسات التعليمية، كما تم تعزيز هذا الصرح بإحداث هيئات إستشارية ، من أهمها المجلس الأعلى للتعليم .
من هذا المنطلق ، أصبحت المنظومة التربوية تتوفر على ترسانة قانونية جد مهمة تغطي مجموع مجالات التربية والتكوين، ولاسيما إعادة تنظيم وتحديد اختصاصات الإدارة المركزية، وإحداث الأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين في شكل مؤسسات عمومية ذات استقلال مالي وإداري ومادي، وإرساء هياكل هذه المؤسسات، وتحديد النظام الأساسي لمؤسسات التربية والتعليم العمومي، وتعميم التمدرس والتعليم الأولي والتعليم المدرسي الخصوصي، فضلا عن النظام المدرسي وأنظمة الإمتحانات المدرسية.
وإن اعتماد المؤسسة العمومية كأداة لتدبير مرفق عام، ذو طابع اجتماعي محض، يشكل نقلة نوعية نظرا لما أثبته هذا النمط من التدبير من فعالية ونجاعة في قطاعات أخرى، كما أن إرساء هياكل المجالس الإدارية للأكاديميات، ذات التركيبية المتنوعة، كإحدى الآليات الجديدة لتدبير الشأن التربوي على المستوى الجهوي متمتعة بجميع السلط والصلاحيات اللازمة لإدارة الأكاديمية، قد مكن من تكريس نهج الإشراك والتشارك والتشاور، وجعل قضية التعليم ضمن أجندة الاهتمامات الجهوية، وهو ما يجسد ويدعم سياسة القرب في تدبير المنظومة التربوية من خلال إسناد وظائف تدبيرية للوحدات الجهوية والإقليمية والمحلية.
فعلى المستوى الإقليمي، ساهم التواجد الفعلي للنيابات بالقرب من المؤسسات التعليمية، وما راكمته من تجربة، في لعب دور مركزي ضمن الهندسة الجهوية الجديدة.
أما على المستوى المحلي، فقد تم إدماج نهج جديد لتدبير المؤسسة التعليمية يرتكز على مبادئ الإشراك والتشارك، وهذا ما يمكن اعتباره تكريسا لدمقرطة الشأن التعليمي على المستوى المحلي.
إن ما يمكن التأكيد عليه في هذا الصدد، هو أن تموقع البنيات الجهوية قد تم في ظرف وجيز، ودون تسجيل أي اختلال أو تعطيل في سيرورة الشأن التعليمي، اعتبارا لكون منهجية التنسيق سلوكا وممارسة لصيقة بطبيعة هذا القطاع، على المستوى المركزي والجهوي والإقليمي لمواكبة المجهودات التي تبذلها الأكاديميات والوقوف على الصعوبات التي تعترض حسن سير الإصلاح .
ب- على المستوى التدبيري:
× مجال تدبير الموارد البشرية:
رغم كون مجال تدبير الموارد البشرية مازال يتم على المستوى المركزي، فإن ذلك لم يمنع من القيام بمبادرات تروم تمكين الأكاديميات ومصالحها الإقليمية من الإشراف المباشر على بعض العمليات التي تندرج في إطار ترسيخ سياسة القرب.
وفي هذا الإطار، أصبحت الأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين تشرف على عدد من العمليات التي كانت تتم على الصعيد المركزي، وهكذا أصبحت تتولى الإشراف على إسناد مناصب المسؤولية والإدارة التربوية من خلال إجراء مقابلات مع المترشحين جهويا.
وفضلا عن ذلك، فقد أصبحت الأكاديميات تتولى الإشراف على الحركة الجهوية ، كما تم الشروع في مباشرة عملية تعيين خريجي مراكز التكوين داخل نفس الجهة حسب الحاجيات على مستوى النيابات والجماعات، مع وضع مخطط للتكوين المستمر لفائدة مختلف الأطر والعمل على تنفيذه، وإعداد برنامج للتكوين والتواصل الداخلي ضمانا لدينامية جديدة من خلال الأنشطة الاجتماعية.
وفي مجال دعم لامركزية ولاتمركز تدبير الموارد البشرية، تم وضع تصور يتم وفقه تفويت الاختصاصات للأكاديميات عبر 3 مراحل، حيث انصبت المرحلة الأولى برسم الموسم الدراسي 2004-2003، على تفويت تدبير المساطر التي لا تستلزم تأشيرة المراقبة المركزية للالتزام بنفقات الدولة المعتمدة لدى هذه الوزارة، والمتعلقة أساسا بالتعويضات العائلية والرخص وتسليم بعض الشهادات الإدارية، فيما ستهم المرحلة الثانية تفويت المساطر التي تستلزم تأشيرة المراقبة المركزية للالتزام بنفقات الدولة، ويمكن تدبيرها بتوزيع الأدوار بين الإدارة المركزية والأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين، وستنصب المرحلة الثالثة على النقل النهائي لمهام واختصاصات تدبير الموارد البشرية إلى الأكاديميات.
وسعيا إلى مواكبة التطبيق الجيد لمشروع لاتركيز تدبير الموارد البشرية، تم اتخاذ مجموعة من التدابير المصاحبة، شملت بالأساس:
إعداد وإصدار دلائل عملية تهم المساطر المعتمدة والشؤون التأديبية والتغيبات والانقطاعات عن العمل ؛
تنظيم دورات تكوينية لفائدة الأطر المكلفة بتدبير الموارد البشرية على الصعيدين الجهوي والإقليمي ؛
تنظيم زيارات ميدانية للأكاديميات الجهوية للمساعدة على الانطلاق الفعلي لمشروع لاتركيز تدبير المساطر المتعلقة بالمرحلة الأولى.
وعموما، يمكن اعتبار تدبير الموارد البشرية على الصعيد الجهوي من المجالات التي عرفت تطورا ملموسا نظرا لما يتطلبه هذا المجال من تدبير عن قرب، لاسيما مع الندرة التي تميز الموارد البشرية لهذا القطاع.
× مجال تدبير الموارد المادية والمالية:
في هذا المجال، وجب التأكيد على التطور الذي عرفته منهجية إعداد مشروع الميزانية خلال خمس سنوات الأخيرة بشكل تدريجي، لتستجيب أكثر لتوجه اللامركزية الذي أفرز إحداث الأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين كمؤسسات عمومية، وكذا لعاملي التدبير المندمج ووحدة الإشراف كنتيجة حتمية لتقدم الوزارة في قيادة الإصلاح الشمولي للمنظومة التربوية.
وعلى هذا الأساس، انتقل دور الإدارة المركزية، ابتداء من السنة المالية 2002، من الإعداد الكامل لمشروع الميزانية وتفويض الاعتمادات للبنيات الجهوية والإقليمية، إلى الإشراف على إعداد ميزانيات الأكاديميات والسهر على انسجامها في برنامج محاسباتي متكامل، دون إغفال جانب الريادة الذي تضطلع به المصالح المركزية في إطار القيادة الشمولية للإصلاح. وتجدر الإشارة في هذا الصدد، إلى أنه تم الشروع في اعتماد مقاربة التعاقد في وضع بنود ميزانية الأكاديميات، كصيغة للتدبير العقلاني والتشاركي، بين الإدارة المركزية والأكاديميات، وبين هذه الأخيرة والنيابات، في إطار من الشفافية والنجاعة والحكامة المسؤولة.
ولتحقيق هذه الغاية، تم الرفع من الميزانية الإجمالية المخصصة للأكاديميات، سواء بالنسبة لميزانية الاستغلال أو بالنسبة لميزانية الاستثمار.
وقد خصصت هذه الزيادة لدعم المجالات ذات الأولوية الملحة، لاسيما التكوين المستمر والتأطير التربوي وتفعيل مجالس التدبير وتأهيل المؤسسات التعليمية والداخليات والارتقاء بالتعليم الأولي.
ومع إحداث الأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين وتحديد الاختصاصات المنوطة بها في مجال البنايات والتجهيزات المدرسية وتفعيل دورها في التدبير الجهوي لشؤون التربية والتكوين، شرعت هذه الأخيرة في تحمل مهمة تدبير كل ما يتعلق بالإنجازات الجديدة في مجال البناء أو التوسيع أو الترميم وذلك بدءا من مرحلة الدراسات التقنية.
وقد ساعدها في ذلك توفر النيابات على أطر تقنية ذات تجربة مهمــة في مجال البناء، بالإضافة إلى ذلك فإن عددا كبيرا من الأطر التي كانت تعمل بالمصلحة المركزية، فضلت الالتحاق بالأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين في إطار إعادة توزيع الموارد البشرية، خصوصا وأن الهيكلة الجديدة للوزارة لم تعد تتضمن أية بنية تتكلف بالبنايات المدرسية.
وقد استمر دعم وتأطير المصلحة المركزية للقدرات التدبيرة للأكاديميات حتى بعد تفعيل سياسة اللامركزية، حيث تم تنظيم أيام دراسية خاصة بتدبير مجال اقتناء الأثاث المدرسي والعتاد التعليمي والديداكتيكي وأثاث وعتاد الداخليات والمطاعم المدرسية لفائدة مسؤولين عن التجهيز المدرسي بالأكاديميات.
× مجال الدعم الإجتماعي والتحفيز:
على الرغم من توقف مساعدات الأغذية العالمي (PAM) للمطاعم المدرسية، فقد تم الاستمرار في ضمان الإطعام المدرسي للمستفيدين، فضلا عن الرفع من مقادير المنح الدراسية الحالية من 528 درهما إلى 700 درهما عن كل ثلاثة أشهر. كما تم تعزيز النقل المدرسي من خلال اقتناء مجموعة من الحافلات لتوفير النقل للتلاميذ بالوسط القروي، حيث تم تمويل هذه العملية من فائض التأمين المدرسي والرياضي، بناء على الاتفاقية المبرمة مع شركة التأمين سينيا CNIA في هذا الإطار.
وسعيا إلى مواكبة التوجه الجهوي الجديد في مجال تدبير السكن الإداري، فقد تم وضع إطار تنظيمي جديد لإسناد السكنيات المخزنية للموظفين غير المسكنين بحكم القانون، ضمانا لاستقرار الموظفين بالعالم القروي، وكذا لتمكين أعوان الحراسة المستديمة من الاستفادة من السكن مع الإعفاء من واجب الكراء.
× المجال التربوي:
لقد شكل الإصلاح البيداغوجي أحد الأوراش الجوهرية الرامية إلى تفعيل غايات وأهداف الميثاق الوطني للتربية والتكوين. وفي هذا الصدد، ولترجمة وأجرأة مقتضياته، تم القيام باستشارة واسعة مع الفاعلين التربويين وممثلين عن الجمعيات المهنية والشركاء الاجتماعيين .
وتكمن حصيلة هذا العمل التشاركي الذي استغرق ما يقرب من سنة، في إجراء مراجعة شاملة للمكونات البيداغوجية، من حيث هندسة الأسلاك التعليمية والبرامج والمناهج الدراسية والكتب المدرسية وتعزيز تعليم اللغات وتحسينه والتقويم التربوي والتوجيه والإعلام المدرسي ونظام التقويم والامتحانات .
فبالنسبة لإعادة هيكلة الأسلاك التعليمية، فإن الهندسة الجديدة للأسلاك التعليمية التي تم اعتمادها انطلاقا من مقتضيات الميثاق الوطني للتربية والتكوين، قد عملت على دمج التعليم الأولي والتعليم الإبتدائي لتشكيل سيرورة تربوية منسجمة تسمى الإبتدائي. كما عملت على دمج التعليم الإعدادي والتعليم الثانوي في سيرورة متناسقة تسمى الثانوي .
وبالنسبة لمراجعة البرامج والمناهج والكتب المدرسية، فإن أهم ما يميز المناهج الجديدة، كونها تشكل قفزة نوعية على المستوى البيداغوجي بالنسبة لما كان معمولا به، حيث إنها شملت مختلف الأسلاك والتخصصات واعتمدت مدخلا بيداغوجيا، وهو مدخل يتمثل في تربية المتعلم على القيم وتنمية كفاياته وتربيته على الاختيار واتخاذ القرار في مساراته الدراسية.
وفي هذا الصدد، تم تأسيس اللجنة الدائمة للبرامج التي تعتبر مكسبا هاما لحقل التربية والتكوين، وذلك لما انصهر فيها من خبرة وطنية في مجالات العلوم الإنسانية والاجتماعية واللغات والآداب وتكنولوجيا الإعلام والتواصل جعلتها قابلة للمقارنة بمثيلاتها في البلدان الصديقة .
وقد تميزت المناهج الجديدة بإحداث مواد جديدة وتوسيع تدريس مواد أخرى إلى عدة مستويات تعليمية، وهكذا تم بالخصوص إدماج تدريس الأمازيغية بالسنة الأولى من التعليم الإبتدائي، كإحدى الخطوات في أفق تعزيز وترسيخ هذا المكون الثقافي الأساسي في الهوية الوطنية ، كما تم اتخاذ خطوات أخرى في مجال تيسير الانفتاح على الثقافات العالمية، بتوسيع تدريس اللغة الفرنسية إلى السنة الثانية الإبتدائية واللغة الأجنبية الثانية والإعلاميات إلى السنة الثالثة الإعدادية، والتاريخ والجغرافيا والتربية على المواطنة إلى السنة الرابعة الابتدائية .
أما بالنسبة لإصلاح الكتب المدرسية والمواد الديداكتيكية الأخرى، فلقد تم اعتماد مقاربة متجددة في تدبير عملية اعتماد الكتب المدرسية، ترتكز أساسا على الرفع من مستوى الجودة البيداغوجية للكتب المدرسية وتطويرها شكلا ومضمونا، بالارتكاز على تيسير المنافسة الشفافة بين المؤسسات الناشرة وهيأة التأليف، انطلاقا من دفاتر تحملات تحدد الخاصيات البيداغوجية والقيمية والتقنية والفنية ( الجمالية) للكتاب المدرسي، مع مراعاة تعددية الكتب المدرسية.
وانسجاما مع الاختيارات التربوية المعتمدة، تم تبني نظام يتمحور حول التقويم باعتماد المراقبة المستمرة والامتحانات الجهوية والامتحان الوطني .
ونظرا لأهمية التوجيه المدرسي، فقد تم اعتماد مدخل خاص بالاختيار ضمن المناهج والبرامج الدراسية، يرتكز على توسيع شبكة مراكز الإعلام والتوجيه والقطاعات المدرسية للتوجيه وتوفير المزيد من المسالك عن طريق توسيع وتنويع الشعب التقنية والعلمية وتعزيز التوجيه نحو شعب التكوين المهني، مع منح أطر التوجيه تكوينا يكسبهم القدرة على تقديم الاستشارات اللازمة للتلميذات والتلاميذ .
وهكذا، فإن اعتماد حكامة جديدة أملتها طبيعة وخصوصية الهياكل، من خلال سن مساطر وطرق جديدة في تدبير الشأن التعليمي، لا سيما في مجال الموارد البشريــة والميزانية، قد ساهم في تخفيف عبء التدبير المباشر عن الهياكل المركزية وتمريره إلى المستوى الجهوي والمحلي واتخاذ القرار عن قرب والاستجابة للمتطلبات والحاجات الملحة في ظرف وجيز، وحل المشاكل المطروحة في عين المكان.
2) صعوبات وإكراهات استكمال مسلسل اللامركزية واللاتمركز:
إجمالا، يمكن القول إن الإطار التشريعي و التنظيمي في مجال التسيير و التدبير قد قطع أشواطا مهمة لتفعيل مضامين الميثاق الوطني للتربية و التكوين ، مقارنة مع ما تم إنجازه في مجالات أخرى .
إلا أن هذا المجهود التشريعي و التنظيمي لم يترجم بما فيه الكفاية على مستوى إرساء و تفعيل آليات التأطير والتدبير الإداري و التربوي على مختلف المستويات، كما أن التصور المنبثق عن المرجعيات الأساسية للإصلاح لم يبلور بصفة دقيقة وواضحة على مستوى الهياكل التنظيمية مركزيا وجهويا ومحليا .
وعموما، فإن التحليل الأولي لحصيلة المنجزات ، يبين أن هناك إكراهات من شأنها التأثير على استكمال مسلسل اللامركزية واللاتمركز من أهمها:
أ- على المستوى المؤسساتي:
على الرغم من وضع هندسة جديدة للهياكل المركزية، تنسجم مع نهج اللامركزية واللاتمركز، فإن إرساء هذه الهياكل لم يستحضر كل المهام والوظائف التي يتعين على المركز أن يضطلع بها في إطار قيادة الإصلاح ومواكبة تجربة الأكاديميات.
كما أن الإرادة القوية للتعجيل بإرساء نظام الأكاديميات، قد أدت إلى اعتماد معايير كمية بالأساس، عند وضع هيكلة هذه البنيات، وهو ما ساهم في التأثير على جودة التأطير الإداري والتربوي للمنظومة.
كما أن طبيعة العلاقة بين الأكاديميات ومصالحها الإقليمية قد أحدث نوعا من الإزدواجية في التعامل مع هذه المصالح، باعتبار هذه الأخيرة مصلحة لاممركزة تم إدماجها بهذه الصفة في الجهة .
هذا، وإن تعدد وتنوع تركيبة المجالس الإدارية للأكاديميات، قد ساهم في غالب الأحيان في التأثير على التجانس المفترض داخل هذه الأجهزة التقريرية، لاسيما مع محدودية انخراط بعض أعضاء المجلس، خاصة ممثلي الجماعات المحلية التي تعتبر طرفا رئيسيا في قضايا التربية والتكوين. كما أن محدودية الانخراط الفعلي لأعضاء اللجان التقنية الدائمة المنبثقة عن المجلس الإداري قد ساهمت بدورها في التأثير على مردوديتها وكيفية اشتغالها ، خاصة وأن النظام الداخلي المؤطر لسير هذه اللجان لازال في طور الإعداد .
ومن جهة أخرى، فإن ارتباط إحداث النيابات الإقليمية بالتقسيم الإداري للمملكة، قد أثر بشكل واضح على استقرار البنية الجهوية وسير المنظومة التربوية، حيث تم حذف مجموعة من المصالح الإقليمية نتيجة لذلك ، دون مراعاة للحاجيات المحلية في مجال التربية والتكوين.
كما أن وضع المؤسسة التعليمية لم يعكس بشكل ملموس الدينامية والحركية المسجلة على مستويات إدارية أخرى، وقد يعزى ذلك إلىعدة أسباب من أهمها، تعدد المجالس المحدثة على مستوى المؤسسات التعليمية، وعدم التجانس بين مكوناتها، وماتطلبه ذلك من مجهود لإرسائها وجعلها منصهرة في بنية هذه المؤسسات من جهة، ومحدودة الإمكانات المادية والبشرية على هذا المستوى من جهة أخرى .
ب- على المستوى التدبيري:
إن أهم ما يمكن إثارته في هذا الصدد، هو مدى استيعاب الهيكلة المركزية الحالية للوظائف والأدوار الجديدة، المرتكزة أساسا على التصور والمراقبة والافتحاص والتقويم، ومدى انسجام المهام المنوطة بالبنيات المكونة لهذه الهيكلة، حيث يبرز نوع من التداخل في الاختصاصات، وهذا ما يفسر اللجوء إلى إحداث وحداث إدارية مستقلة( المركز الوطني للإمتحانات، الوحدة المركزية لتكوين الأطر...)، في محاولة لتجاوز هذا التشعب والتداخل.
أما على المستوى الجهوي، فإن انشغال الأكاديميات بالتدبير اليومي، يحول في كثير من الأحيان دون التفرغ لإنجاز مهام التخطيط التي تقتضي، بالإضافة إلى باقي المهام، توصيفا وتصنيفا دقيقا. وقد يعزي ذلك إلى صعوبة تدبير الموارد البشرية على هذا المستوى، في وضع يتسم بعدم التوازن بين الحاجيات والمتطلبات والإكراهات المرتبطة بندرة ومؤهلات هذه الموارد.
ومن جهة أخرى، فإن اقتصار ميزانيات الأكاديميات على إعانات الدولة، يحول دون الرقي إلى مستوى تنمية قدراتها التدبيرية وتحقيق أهداف الإصلاح على الصعيد الجهوي.
ويضاف إلى ذلك اكتفاء المجالس الإدارية بعقد دورة واحدة في سنة، بدلا من دورتين، تخصص لمناقشة الميزانية وبرنامج العمل السنوي فقط، وذلك نظرا للصعوبات المطروحة فيما يخص رئاسة هذه المجالس التي تتطلب الحضور الفعلي للسيد الوزير .
وإن أهم ما يمكن تسجيله على المستوى الإقليمي، يتجلى في طبيعة العلاقة بين الأكاديمية والنيابة، وبين هذه الأخيرة والمصلحة المركزية في المجال التدبيري .
أما على المستوى المحلي، فيمكن إثارة مسألة التباين في مستوى انخراط الفاعلين في مختلف مجالس المؤسسات التعليمية، ولاسيما مجالس التدبير، التي تعتبر بنية محورية ضمن آليات التأطير والتدبير التربوي والإداري.
كما أن الصعوبات المرتبطة باقتناء العقارات، تساهم في إحداث تأخر في إنجاز مشاريع البناء المبرمجة.
وإذا كان إصلاح المنظومة التربوية يراهن على انخراط كافة مكونات المجتمع، فإن الشراكة باعتبارها آلية أساسية في هذا المجال، لازالت لا ترقى إلى تغطية كافة المجالات ولاتشمل كافة المتدخلين والفاعلين، وخاصة الجماعات المحلية .
وهكذا، يتضح أن الصعوبات والإكراهات التي أمكن رصدها خلال النصف الأول من العشرية الوطنية للإصلاح في مجال التسيير والتدبير، ترجع في جانب كبير منها إلى عدم الملاءمة بين الإمكانات المادية والمالية والبشرية المرصودة، وبين الأهداف والغايات المحددة في الميثاق الوطني للتربية والتكوين، فضلا عن حداثة تجربة اللامركزية واللاتمركز، التي لم تستثمر بشكل كلي المكتسبات التي تم تحقيقها في مجال اللاتركيز.
وإضافة إلى ذلك، فإن أسلوب الإشراك المعتمد في تدبير الشأن التربوي على المستوى الجهوي، مازال دون مستوى الطموحات والتطلعات، كما أن مساهمة مختلف الفرقاء الاقتصاديين والاجتماعيين إلى جانب الدولة، لم تمكن بدورها من مواكبة الإصلاحات التي تعرفها المنظومة التربوية.
وإذا كانت وزارة التربية الوطنية والتعليم العالي وتكوين الأطر والبحث العلمي قد عرفت تجربة رائدة على مستوى التسيير والتدبير، حيث تم إحداث الأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين والارتقاء بها إلى مستوى مؤسسات عمومية، تمارس اختصاصات واسعة في مختلف المجالات التربوية والتكوينية، فإن هذه المكتسبات بكل تراكماتها مازالت في حاجة ماسة إلى المزيد من الجهود وإلى تعبئة كل الفعاليات بغية تدعيمها، واعتماد الحكامة الجيدة كأداة لبلوغ الأهداف الآنية والمستقبلية التي حددها الميثاق الوطني للتربية والتكوين، علما أن نهج اللامركزية واللاتمركز هو مسلسل مستمر وقابل للتقويم والإصلاح، كلما اقتضت الضرورة ذلك.
VI - تساؤلات واقتراحات :
من خلال التحليل الأولي لتجربة اللامركزية واللاتمركز، يتضح أن هناك مجموعة من المكتسبات والمرتكزات التي يتعين تثبيتها وتدعيمها، كما أن هناك صعوبات وإكراهات يجب العمل على تجاوزها والخروج باقتراحات علمية لاستشراف المنظومة التربوية. وتوسيعا لدائرة النقاش، يمكن طرح التساؤلات والمقترحات التالية:
توضيح مفهوم ومبادئ اللامركزية واللاتمركز، وذلك من خلال محاولة الإجابة عن التساؤلات التالية:
هل الأمر يتعلق بنظام مندمج، يحتل فيه المركز دورا قياديا(Pilotage ) من خلال الاحتفاظ بتدبير دواليب النظام التربوي ومكوناته، على اعتبار أن مراكز القرار يجب أن تبقى ممركزة؟
أم أن الأمر يتعلق بنهج لامركزي يتجه نحو إرساء المؤسسة العمومية، التي تفرض إحداث بنيات مستقلة، لها جميع الإمكانيات والمؤهلات. وفي هذه الحالة سيكون للمركز دور قيادة السياسة العامة للقطاع، دون الاهتمام بالجوانب التدبيرية، على صعيد الجهة.
مدى استجابة الهيكلة الحالية للمركز لوظائفه الجديدة، المرتكزة على قيادة الإصلاح ووضع السياسة العامة للقطاع والمخططات الاستراتيجية الكبرى؛
مدى تناسق المهام المسندة إلى الإدارة المركزية مع توجهات نهج اللامركزية، في أفق تحديد مجالات تدخل مجموع المكونات سواء على المستوى المركزي أو الجهوي أو الإقليمي ؛
التركيز على المراقبة و الافتحاص و التقويم المنتظم ، مع اعتماد حكامة تستحضر نهج التنسيق الدائم حول مشاريع قيادية جماعية؛
إلى أي حد تمكن نظام الأكاديميات من تحقيق أهداف الإصلاح ، وبالتالي لعب الأكاديميات لدورها كآليات لتفعيل سياسة القرب ؟
انشغال الأكاديميات بتدبير بعض المجالات غير المؤثرة بصفة مباشرة على النظام وتدبير الندرة، وعدم السعي والبحث عن مصادر أخرى للتمويل، علما أنه حتى في حالة افتراض تغطية جميع المجالات، فإنه لا يمكن الاقتصار على مهام تدبير النظام التربوي بل إصلاحه بالدرجة الأولى.
مدى نجاعة تجربة الأكاديميات في صيغتها الحالية :
استمرار مركزة بعض الاختصاصات ذات الطابع التدبيري ؛
استكمال نموذج المؤسسة العمومية، و هو ما يفرض دعمها و منحها المزيد من الاستقلال الذاتي؛
اعتماد هيكلة الأكاديميات على معايير كمية بدل اللجوء إلى معايير نوعية.
مدى فعالية التشكيلة الحالية للمجالس الإدارية وكيفية اشتغالها، بالنظر إلى الاختصاصات الهامة المنوطة بها؛
مدى ضبط العلاقة بين الأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين والنيابات الإقليمية من جهة، وبين هذه الأخيرة والوزارة من جهة أخرى؛
التساؤل عن جدوى مأسسة المستوى الإقليمي كبنية لاممركزة، نظرا لإمكانية الأكاديمية احتواء مصالح خارجية في أي نقطة من دائرة نفوذها الترابي؛
مدى فعالية مبادئ الإشراك و التشارك المعتمدة في تدبير منظومة التربية و التكويـن، بالنظر إلى ضعف انخراط الفعاليات المكونة لآليات التأطيـر و التدبير ( تركيبة المجالس الإدارية، مردودية اللجان التقنية، مساهمة الجماعات المحلية ...)؛
مدى تأثير اللامركزية كبنية و كنمط جديد للتدبير في بلورة الإصلاح داخل باقي المكونات الخاضعة لسلطة الأكاديميات ؛
مدى مواءمة القدرات البشرية و التقنية للأكاديميات لمتطلبات إصلاح المنظومة التربوية؛
التفكير في وضع مواصفات ملائمة و مواكبة لخيار نهج اللامركزية، سواء تعلق الأمر بأنماط التدبير أو المشرفين عليه؛
مدى إيصال نهج اللامركزية واللاتمركز إلى المؤسسة التعليمية؛
مدى فعالية آليات التأطير والتدبير الإداري على المستوى المحلي؛
مدى نجاعة سياسة القرب في تحسين الأداء التربوي، من خلال:
إدماج البرامج الجهوية وتفعيلها ؛
تعزيز دور المراقبة والتأطير التربوي؛
الإشراف على التكوين المستمر؛
تأطير المؤسسة التعليمية ؛
النهوض بالتوجيه المدرسي والمهني في إطار من التنسيق مع قطاع التعليم العالي والتكوين المهني ؛
تقويم الكتاب المدرسي ؛
إرساء الجدوع المشتركة ؛
تأطير الإمتحانات الإشهادية ؛
اعتماد التدريس بالكفايات .
وعلى العموم ، فإن نهج اللامركزية واللاتمركز هو مسار " processus " قابل للتجديد والتطوير باستمرار، ويجب أن نعرف مسبقا أين يتجه هذا المسار؟
كما أنه يتعين ألا يقتصر الأمر على تدبير المنظومة التربوية، بل إصلاحها بالدرجة الأساسية . |